منذ عشرين عامًا على صفحات مجلة العربي نشر الدكتور/
محمود الطناحي- رحمه الله- مقالةً علميةً بعنوان: "بنت الشاطئ وتحقيق
التراث"، وأطلق في هذه المقالة سؤالًا؛ وهو: هل التحقيق علم الرجال؟ وأجاب
مؤكدًا أن المشتغلات بتحقيق النصوص من النساء قِلَّة مقارنةً بعدد الرجال، ومعللًا
قوله بأن "ذلك الإحجام من النساء عن خوض هذه اللجج إنما يرجع إلى جهد المؤونة
وعناء المكابدة التي يلقاها من يتصدى لتحقيق النصوص ونشرها" [مجلة العربي-
العدد 488- يوليو 1999م].
والحقيقة أن هذا الإحجام من النساء عن تحقيق النصوص ما
زال سائدًا حتى الآن، بل أصبح أكثر من ذي قبل؛ لفقدان جيل من النساء المحققات-
مستشرقات وعربيات- في السنوات العشرين الماضية، ولعدم إقبال شباب الباحثات على هذا
التخصص لأسباب علمية تتعلق بما يتطلبه هذا العمل من مشقة، وأسباب اجتماعية تتعلق
بتراجع المرأة عن مساحات سيطرة الرجال، فضلًا عن تحفظ المرأة على ملازمة أساتذة
التحقيق- الذين هم بالطبع من الرجال- لتلقي العلم بصورة مباشرة.
ومنذ انشغلتُ بدراسة علم تحقيق النصوص، وأنا متعجبة من
قلة عدد النساء المشتغلات بهذا العلم نظريةً وتطبيقًا. فنادرًا ما وجدتُ مؤلَّفًا
في النظرية يحمل اسم أنثى أو تحقيقًا يحمل اسم أخرى. وبدا الأمر لافتًا أكثر
بالنظر إلى التحقيق بوصفه وظيفةً، فإن جُل المشتغلين به في المراكز البحثية ودور
النشر من الرجال ولا يقبلون امرأةً للعمل معهم.
وعندما قرأتُ مقالة الدكتور الطناحي- رحمه الله- سالفة
الذكر، وتعرفتُ على أسماء المحققات المستشرقات والعربيات، بدأتُ بجمع مادة علمية
عن هؤلاء النساء؛ للوقوف على أسباب التحاقهن بهذا التخصص؛ فوجدتُ أن بعضهن ارتبطت
حياته العلمية أو الإنسانية بأسماء أعلام التحقيق والعربية بشكل عام.
فهذه المستشرقة الإيطالية ماريا نللينو Maria Nallino ابنة
المستشرق الإيطالي الكبير كارلو نللينو Karlo Nallino. وهذه الدكتورة/
عائشة عبد الرحمن كانت زوج الشيخ/ أمين الخولي وتلميذته. وهذه الدكتورة/ خديجة
الحديثي كانت زوج الدكتور/ أحمد مطلوب. وهذه الدكتورة/ وداد القاضي
التلميذة النجيبة للدكتور/ إحسان عباس- رحمه الله- الذي أشرف على رسالتها
للدكتوراه، وشاركته في عدد من أعماله.
كما وجدتُ محققات أخريات ممن صنعن اسمًا فريدًا في تحقيق
النصوص، ولم ترتبط حياتهن العلمية أو الإنسانية بأحد رجالات التحقيق؛ من مثل:
الدكتورة/ سكينة الشهابي السورية التي انحصرت أعمالها العلمية في التحقيق
فقط بين التاريخ واللغة.
والسمة المشتركة لهؤلاء النساء المحققات- على قلتهن-
التي جعلتهن يزاحمن الرجال؛ هي أنهن من أولات العزم، ولديهن سمات المحقق النفسية
والعلمية في التكوين والدراسة. وإن دراسة جهود هؤلاء المحققات- مستشرقات وعربيات- في
التحقيق العلمي أمر مهم؛ لرفع همم شباب الباحثات وعدم مهابة الإقبال على التراث
تحقيقًا ونقدًا.
إنني أتفق- بالطبع- مع الدكتور/ الطناحي على أن العمل في
تحقيق النصوص عمل شاق جدًّا؛ لكنني لا أتفق معه في أنه علم الرجال! فقد لمستُ
المشقةَ، واستطعتُ أن أقدم عملًا محققًا بوصفي محققةً وامرأةً! وإنْ كانت الرجولة
صفةً- يجب أن تكون من ضمن سمات المحقق- فكلنا رجال!
ولأن ذاكرة تاريخ العلم يستأثر بها الرجال؛ فمن واجبي واحدةً
من المشتغلات بعلم تحقيق نصوص التراث العربي ونقده- أن ألقي الضوء على أثر النساء
فيه من العربيات والمستشرقات، وما قمن به من جهد في خدمة التراث العربي ونشره؛ وأن
أبين أيضًا التكوين العلمي لهؤلاء النسوة، ومدى انضباط منهجهن في تحقيق النص، وما
أثر طبعاتهن في سيرة النص التراثي ومصنِّفه، وقيمتها بين طبعات النص الأخرى. لذلك
فقد عزمتُ على تقديم سلسلة من المقالات والأبحاث العلمية في نقد تحقيقات هؤلاء-
مستشرقات وعربيات- تبين جهد أولات العزم من النساء؛ فتكون مثلًا يشحذ الهمم ويحفز
على الاستمرار رجالًا!
وهذه قائمة مختارة- قابلة للإضافة- للمحققات المستشرقات
والعربيات اللاتي أُقَدِّمُ نقدًا لتحقيقاتهن، واستطعتُ العثور على أعمالهن، لا
سيما أعمال المستشرقات صعبة المنال.
من المستشرقات:
المستشرقة الإيطالية ماريا نللينو Maria Nallino (1908-
1974م): حققت شعر النابغة الجعدي، روما، 1953م.
المستشرقة الألمانية سوسنَّه ديفيد- فلزر Susanne Diwald (1922-
1989م): حققت كتاب طبقات المعتزلة لأحمد بن يحيى بن المرتضى (ت 840هـ)، النشرات
الإسلامية لجمعية المستشرقين الألمان التي يصدرها هلموت ريتر وألبرت ديتريش،
بيروت/ لبنان، 1960م.
من العربيات:
الدكتورة/ عائشة عبد الرحمن (1913- 1998م) بنت
الشاطئ المصرية التي أفرد لها الدكتور/ الطناحي في مقالته حديثًا خاصًّا لمكانتها
ومكانها بين المحققين جميعًا نساءً ورجالًا؛ حققت: رسالة "الغفران" لأبي
العلاء المعري (ت 449هـ)، في رسالتها للدكتوراه سنة 1950م، وقدمت معها نصًّا محققًا
من "رسالة ابن القارح" بالطبعة التاسعة، ذخائر العرب (4)، دار المعارف،
القاهرة، 1977م. ورسالة "الصاهل والشائج" لأبي العلاء المعري أيضًا،
الطبعة الأولى بالرباط سنة 1975م، وطبعة ثانية، ذخائر العرب (51)، دار المعارف،
القاهرة، 1983م. و"مقدمة" ابن الصلاح (ت 643هـ) و"محاسن الاصطلاح"
لسراج الدين البلقيني (ت 805هـ)، الطبعة الأولى بمركز تحقيق التراث/ دار الكتب
المصرية سنة 1974م، والطبعة الثانية، ذخائر العرب (64)، دار المعارف، القاهرة،
1989م. والجزء الثالث من معجم "المحكم والمحيط" لابن سيده الأندلسي (ت 458هـ)،
الطبعة الأولى 1963م، وطبعة ثانية، معهد المخطوطات العربية، القاهرة 2003م. مع
التركيز على عملها في "المحكم والمحيط" بوصفها لغويةً من القلائل اللاتي
عنين بالتراث اللغوي.
الباحثة/ سكينة الشهابي (1933- 2006م) المحققة
السورية التي اقتصرت أعمالها العلمية على التحقيق فقط؛ فحققت: المعجم المشتمل على
ذكر تاريخ الأئمة النبل لابن عساكر (ت 571هـ)، دار الفكر، دمشق، 1980م. وتاريخ
دمشق لابن عساكر (ت 571هـ) تراجم النساء، مجمع اللغة العربية بدمشق، 1982م. وأخبار
الوافدين من الرجال من أهل البصرة والكوفة على معاوية، وأيضًا أخبار الوافدات من
النساء على معاوية للعباس بن بكار (ت 222هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت/ لبنان، 1983م.
وتلخيص المتشابه في الرسم للخطيب البغدادي (ت 463هـ)، طلاس للدراسات والترجمة
والنشر، دمشق، 1985م. والمنتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بن
بكار (ت 256هـ)، مؤسسة الرسالة، بيروت/ لبنان، 1985م. وطبقات الأسماء المفردة من الصحابة والتابعين وأصحاب الحديث
للبرديجي (ت 301هـ)، طلاس للدراسات، دمشق، 1987م.
الدكتورة/ خديجة الحديثي (1935- 2018م)؛ المحققة
العراقية التي كانت كل تحقيقاتها بالاشتراك مع زوجها الدكتور/ أحمد مطلوب؛ وهي: التمام
في تفسير أشعار هذيل (مما أغفله أبو سعيد السكري) لابن جني (ت 392هـ)، بالاشتراك
مع الدكتور/ أحمد ناجي القيسي، بغداد، 1962م. والبخلاء للخطيب البغدادي (ت 463هـ)
بالاشتراك مع الدكتور/ أحمد ناجي القيسي، المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1964م. والتبيان
في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن للزملكاني (ت 651هـ)، مطبعة العاني، بغداد،
1964م. والبرهان في وجوه البيان لابن وهب الكاتب (ت 335هـ)، مطبعة العاني، بغداد،
1967م. والجمان في تشبيهات القرآن لابن ناقيا البغدادي (ت 485هـ)، سلسلة كتب
التراث، وزارة الثقافة والإرشاد، بغداد، 1968م. ديوان أبي حيان الأندلسي (ت
745هـ)، مطبعة العاني، بغداد، 1969م. والبرهان الكاشف عن إعجاز القرآن للزملكاني
(ت 651هـ)، رئاسة ديوان الأوقاف، بغداد، 1974م. وتحفة الأريب بما في القرآن من
غريب لأبي حيان الأندلسي (ت 745هـ)، بغداد، 1977م. مع التركيز على تحقيقها الأخير
بوصفه معجمًا لغويًّا عالقًا بتخصصها الأساس- فهي اللغوية الأريبة- دون التحقيقات
الأخرى التي تدخل ضمن التخصص المعهود للدكتور/ أحمد مطلوب.
الدكتورة/ هدى محمود قراعة وهي محققة مصرية ارتبط
اسمها بالتراث اللغوي ومن تلاميذ الأستاذ/ محمود شاكر رحمه الله؛ حققت: ما ينصرف
وما لا ينصرف للزجاج (ت 311هـ)، لجنة إحياء التراث الإسلامي، المجلس الأعلى للشؤون
الإسلامية (25)، القاهرة، 1971م، وهو ضمن رسالتها للماجستير التي حصلت عليها عام
1968م. ومعاني القرآن للأخفش الأوسط (ت 215هـ)، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1990م،
وهو ضمن رسالتها للدكتوراه التي حصلت عليها عام 1975م بإشراف الأستاذ الدكتور/
حسين نصار.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق