في تحقيق النصوص ونقد الكتب
(دراسات ومراجعات)
للأستاذ الدكتور خالد فهمي
كتاب في خدمة التراث العربي الإسلامي
ظاهر من عنوان
الكتاب أنه يصنف ضمن مؤلفات علم تحقيق النصوص؛ لكنه في حقيقة الأمر كتاب في خدمة
التراث العربي الإسلامي من عدة وجوه؛ هي تأكيده على الهوية العربية الإسلامية،
وعرضه لأدوات تحقيق النصوص وعلم المخطوط كعلوم خادمة للتراث، وكذلك إبراز الدور
الذي يقوم به علم نقد التحقيق، وأخيرًا تسليط الضوء على رموز أثرت في إحياء التراث
العربي الإسلامي.
والكتاب في
أصله مجموعة من الأبحاث النقدية والمراجعات العلمية صنفها صاحبها في ستة فصول؛ هي
كالتالي حسب ترتيب الكتاب:
1-
التراث العربي: مفهومه وخصائصه. (نشر 2011م).
2-
معاجم مصطلحيات علم المخطوط العربي وقيمتها الحضارية. (نشر 2011م).
3-
جهود رمضان عبد التواب في تحقيق التراث. (نشر 2001م).
4-
منهج الدكتور حسن الشافعي في تحقيق النصوص العربية. (نشر 2007م).
5-
الأزهر الشريف وتحقيق التراث العربي الإسلامي. (نشر 2011م).
6-
دراسات تحقيق النصوص المعاصرة: قراءة في الأدبيات. (نشر 2012م).
7-
أدوات تحقيق النصوص: المصادر العامة. (نشر 2013م).
8-
معجم ألفاظ التراث. (نشر 2012م).
9-
محاضرات في أوراق البردي. (نشر 2012م).
10-
غريب القرآن لابن التركماني (مراجعة نقدية). (نشر 2002م).
11-
غريب القرآن للقليبي. (نشر 2005م).
12-
ندوب في وجه الصاحب، ترجمة الكاتب في أدب الصاحب للثعالبي. (نشر 2012م).
13-
كتاب روضة الفصاحة للثعالبي ليس للثعالبي. (نشر 2000م).
14-
محمود محمد شاكر- جبل علم شامخ. (نشر 2001م).
15-
رمضان عبد التواب- رائد من رواد الدرس اللغوي للعربية. (نشر 2001م).
16-
وأد النهضة: حول محنة تحقيق التراث. (نشر 2003م).
وآثرت ذكر أسماء الأبحاث وتاريخ نشرها؛ بسبب تداخل
أغراضها، فلعل البحث الواحد يخدم أكثر من غرض من أغراض الكتاب؛ وكذلك فإن سنوات
نشرها لها دلالة خاصة بالكاتب الذي قضى ثلاثة عشر عامًا- كما يتضح من سنوات النشر-
في خدمة التراث العربي الإسلامي، على أن هذه السنوات جزء من تاريخ طويل قضاه في
صحبة التراث.
وهذه الأبحاث على تنوع أغراضها وعلومها تصب جميعًا في خدمة
التراث العربي الإسلامي، وتؤصل لنظرية جديدة في محتوى الكتب التي تنشر في تحقيق
النصوص؛ فهذا العلم على أهميته ما هو إلا جزء من مجموعة علوم أخرى تخدم التراث،
ومعظم ما أُلف فيه من كتب كان جل اهتمامه بتأصيل مفهوم العلم، وأدواته الإجرائية.
(1) هوية
التراث العربي الإسلامي:
أستطيع القول إن هوية التراث العربي الإسلامي كانت الشغل
الشاغل لصاحب الكتاب؛ فلا يوجد بحث من هذه الأبحاث الستة عشر لا يلمس هذه الهوية،
ويحاول أن يؤصل للمقارابات الفكرية التي عرضها الدكتور خالد فهمي في البحث الأول
"التراث العربي: مفهومه وخصائصه"؛ وهي أربع مقاربات تؤصل لمفهوم التراث،
لكل من عبد السلام هارون، وحامد ربيع، ورمضان عبد التواب، وعبد الوهاب علوب. وهي
مقاربات مهمة وخطيرة تنبه الباحث في التراث إلى ضرورة فهم الذات وإحياء التراث في
النفس المسلمة ليكون جزءًا من الإدراك العقلي والنفسي.
كما يحرص هذا الكتاب في كل فصوله على رد إنتاج التراث
إلى الكتاب العزيز؛ يقول الدكتور خالد فهمي: "ثمة إجماع منقطع النظير أن
القرآن الكريم هو مفجر الحركة العلمية في الحياة العربية". (صـ27). وبتتبع هذه
الفكرة في الكتاب يلاحظ وضوحها في كل الأبحاث خاصة في نقد تحقيق غريب القرآن لابن
التركماني، وغريب القرآن للقليبي؛ حيث إن الحرص على الكتاب العزيز دفع صاحب البحث
إلى نقد ما ألف عليه، كذلك يتبين أنهما بحثان يؤصلان من عنوانهما فقط إلى أن
القرآن الكريم هو مصدر التأليف العربي الإسلامي.
وتتجلى فكرة الهوية العربية الإسلامية في البحث الأخير
من الكتاب: "وأد النهضة: حول محنة تحقيق التراث". إن هذا البحث يلخص ما
يمكن أن يسمى غربة التراث بين أبنائه؛ حيث يوضح صاحب البحث الإجراءات الواقعية
التي تحول بين التراث وأبنائه. فهذه المحنة سلبت من أبناء الأمة هويتهم العربية
الإسلامية، فكيف لنا الحفاظ على هويتنا دون إحياء التراث بفهم الذات وإحياء
نصوصه؟!
وقد كتب الدكتور خالد فهمي هذا البحث في 2003م، حيث برزت
جوانب المحنة، وفي هذا العام 2014م أرى أن المحنة بلغت ذروتها بين أبناء جيلي من
الباحثين الشباب؛ الذين لم يتتلمذوا على جيل الرواد من المحققين، ولم تسمح لهم
الإجراءات الواقعية بالاتصال بأسباب إحياء التراث تحقيقًا. وإن كنت أرى نفسي
محظوظة من بين أبناء جيلي حيث قدّر الله تعالى لي التتلمذ على أساتذة يقدّرون
إحياء التراث تحقيقًا ونقدًا لتحقيقاته؛ وهما أستاذاي الجليلان الدكتور محمد عوني عبد
الرءوف- أحد رواد جيل العظماء- والدكتورة إيمان السعيد جلال، اللذان سمحا لي
الاتصال بعلم تحقيق النصوص على غربته في مؤسستنا التعليمية كلية الألسن (في رسالتي للماجستير بعنوان: جهود المستشرقين الإنجليز
في تحقيق التراث اللغوي العربي). كذلك تتلمذي
على الدكتور خالد فهمي الذي أرى فيه انعكاسًا وامتدادًا لجيل الرواد الأوائل محققي
النصوص.
ويقول الدكتور خالد فهمي في نهاية الكتاب: "أرجو
ألا تتفاقم المحنة، وأن تجد من عقلاء هذه الأمة وأثريائها والمسئولين عن البحث
العلمي فيها من يسعى نحو حلها، ونفي معالمها". (صـ481). وهو رجاء مصحوب بالألم الشديد على ما وصلت إليه الحال
من انقطاع الاتصال بيننا وبين هويتنا العربية الإسلامية. ويبدو أن الرجاء لم يجد
من يسمعه إلى الآن؛ ذلك ما جعل الباحثين الشباب المهتمين بإحياء التراث يبحثون عن
مؤسسات تعليمية متخصصة يتصلون عن طريقها بالعلوم المتخصصة في هذا المجال، ولنا في
معهد المخطوطات العربية مثال وأمل.
(2) في تحقيق النصوص وعلم المخطوط:
يقدّم الكتاب
ستة أبحاث في قراءة دراسات وتحقيقات تخدم أدوات تحقيق النصوص وعلم المخطوط؛ وهي:
1- معجم مصطلحيات علم المخطوط العربي وقيمتها الحضارية.
2- دراسات تحقيق النصوص المعاصرة: قراءة في الأدبيات.
3- أدوات تحقيق النصوص: المصادر العامة.
4- معجم ألفاظ التراث.
5- محاضرات في أوراق البردي.
6- كتاب روضة الفصاحة للثعالبي ليس للثعالبي.
أما البحث
الأول فهو يُعنى بعلم المخطوط بصفة خاصة؛ فيركز صاحب البحث على معجمي تقاليد
المخطوط لآدم جاسيك، ومعجم مصطلحات المخطوط العربي، لأحمد شوقي بنبين ومصطفى طوبي.
كما يوضح هذا البحث الوظائف التي تقوم بها معجمات مصطلحات علم المخطوط، ويقدّم
مقترحات المنوط بها استكمال العمل في معجم مصطلحات علم المخطوط العربي.
وينضم إلى هذا
البحث في فكرته بحث "معجم ألفاظ التراث"، الذي يقدّم عرضًا ونقدًا لهذا
المعجم فكرةً ومنهجًا ووظيفةً، ومن خلال نقد هذا المعجم تظهر شخصية الدكتور خالد
فهمي اللغوية؛ حيث الاستيعاب الكامل لمناهج التأليف المعجمي عند العرب.
ويضع الكتاب يد
الباحثين على بعض أدوات تحقيق النصوص المهمة من خلال بحثيّ: "دراسات تحقيق
النصوص المعاصرة: قراءة في الأدبيات"، و"أدوات تحقيق النصوص: المصادر
العامة". حيث قدّم في الأول عرضًا ونقدًا لكتاب منهج تحقيق المخطوطات لإياد
الطباع، وفي الثاني عرض ونقد لكتاب أدوات تحقيق النصوص لعصام الشنطي، على أنه لم
يذكر اسم الكتاب الأول لإياد الطباع لا في العنوان ولا في متن البحث. وكلا البحثين
يقدمان مدخلًا مهمًا إلى علم تحقيق النصوص وأدواته الإجرائية.
وينضم إلى هذين
البحثين السابقين بحث "محاضرات في أوراق البردي"؛ وهو كتاب لأدولف
جروهمان، والبحث مراجعة علمية لمحتوى الكتاب ولآلية عرضه من قبل القائمين عليه، وتظهر
من خلاله قيمة البرديات العربية كوثيقة تاريخية شاهدة على حضارة هذه الأمة، كما
يقدم صورة عن عناية غير العرب بالتراث العربي المخطوط.
ثم يأتي البحث
الأخير في هذا الباب؛ وهو "كتاب روضة الفصاحة للثعالبي ليس للثعالبي"،
وهو بحث بمثابة درس في تصحيح نسبة الكتب لأصحابها. فتوثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه
من أهم الإجراءات المنهجية في علم تحقيق النصوص، وهو من أهم الإجراءات التي تعكس
ثقافة المحقق. وقد اتخذ الدكتور خالد فهمي من النقد الداخلي للنص طريقًا في عدم
نسبة كتاب روضة الفصاحة إلى الثعالبي، وهذا فرع من النقد لا يتمكن من إجرائه إلا
من امتلك معرفة وإدراكًا واسعين بالتراث العربي الإسلامي؛ لأن الناقد يعرض النص
على مصادره، ويتبين النسبة من خلال تمرسه بأسلوب الكاتب... إلخ.
(3) دَرْسٌ في نقد التحقيق:
يقول الدكتور
خالد فهمي: "ونقد النصوص المحققة عمل علمي كامل يضرب بجذوره في تاريخ الحضارة
العربية الإسلامية، مارسه علماء كل علم اسقلالًا في عدد من الكتب حملت عنوانات
مختلفة، من التصحيح، والتنبيه، والاستدراك وغيرها". (صـ 374).
وقد تمثل نقد
التحقيق في خمسة أبحاث من هذا الكتاب؛ هي:
1- منهج الدكتور حسن الشافعي في تحقيق النصوص العربية.
2- غريب القرآن لابن التركماني.
3- غريب القرآن للقليبي.
4- ندوب في وجه الصاحب، ترجمة الكتاب في أدب الصاحب
للثعالبي.
5- كتاب روضة الفصاحة للثعالبي ليس للثعالبي.
وأعتقد أن هذا
الوجه تحديدًا- من بين الوجوه التي يعنى بها الكتاب- هو أهم ما قدّمه الدكتور خالد
فهمي في كتابه؛ للأسباب التالية:
أولًا: ندرة
ما كتب في مجال نقد التحقيق.
ثانيًا: اتخاذه
أكثر من منهج في نقد الكتب المحققة.
ثالثًا: نقده
بمثابة تحقيق جديد للكتب موضع الدراسة.
على أن هناك
سببًا شخصيًا يجعلني أعد هذا الباب من أهم وجوه الكتاب؛ ألا وهو تخصصي في نقد
التحقيق، وهو ما جعلني أهتم بالأمر، وأدرسه بعناية ودقة بالغة. وأستطيع القول بلا
مبالغة إنني بعد قراءة هذه الأبحاث الخمسة وفحصها، عدّلت من وجهتي البحثية التي
كنت أنتهجها من قبل في نقد التحقيق، التي كانت تعتمد في الأساس على نقد إجراءات
التحقيق دون غيرها؛ حيث بت أنظر إلى نقد التحقيق على أنه استصحاب لروح النص
التراثي.
واتخذ الدكتور
خالد فهمي ثلاثة مناهج في نقد التحقيق؛ هي:
الأول: النقد
من خلال إجراءات التحقيق
وهو ما برز في
بحثي "منهج حسن الشافعي في تحقيق النصوص العربية، و"ندوب في وجه
الصاحب". والبحث الأول ينقد فيه تحقيق الدكتور حسن الشافعي لكتاب
"المبين في شرح معاني ألفاظ الحكماء والمتكلمين" لسيف الدين الآمدي ت
631ه. وقد سار فيه على نهج إجراءات التحقيق؛ في مكملات النشر أولًا (المقدمة-
الكشافات)، ثم تحقيق كتاب المتن (ضبط النص والتعليق عليه). وأبرز الدكتور خالد
فهمي من خلال أمثلته منهج الدكتور حسن الشافعي في التحقيق، وكذلك أضاف بعض
التعليقات التي أخذها على الشافعي، والتي تدلل على استصحاب الناقد لروح النص نفسه
لا لإجراءات المحقق وحسب.
أما البحث
الثاني في هذا المنهج فينقد فيه تحقيق كتاب "ترجمة الكاتب في أدب
الصاحب"، وينتهج المنهج السابق مع إبراز كل أخطاء المتن وتصحيحها، بذكر رقم
الصفحة والسطر. وكذلك بالنسبة إلى المصادر التي خلت من ذكرها التعليقات.
الثاني: النقد من خلال تتبع
النص بترتيب صفحات الكتاب
وهو المنهج
الذي برز بقوة في بحثي "غريب القرآن لابن التركماني" و"غريب القرآن
للقليبي". وهو منهج قديم اتبعه عبد السلام هارون والدكتور رمضان عبد التواب
في نقد التحقيق؛ وهو بمثابة إعادة تحقيق للكتاب. فقد تتبع المحقق النص كله في
تحريره والتعليق عليه؛ بما في ذلك عنوان الكتاب الذي تعرض لطريقة ضبطه.
وأرى أنه كان
من باب أولى للناقد أن يعيد نشر النص بتحقيق جديد له، حتى لا يُسمح للنشرة الأولى
غير المنضبطة بالانتشار، لا سيما وأنه في أغلب الظن لن يصحح الناشر الأول تلك
التصويبات والإضافات المهمة لناقد التحقيق. كذلك فإن ناقد التحقيق بهذا المنهج
المتفاني بذل جهدًا كبيرًا في إعادة ضبط النص وتصحيحه على النهج الأمثل؛ ومن حقه
أن تكون النشرة المتداولة والمنتشرة بين أيدي الباحثين باسمه. وقد يختلف معي
أستاذي الدكتور خالد فهمي في ذلك الأمر لكونه يرى أن الهدف الأكبر هو خدمة النص
التراثي فقط، وأرد فأقول إن معظم الباحثين من أبناء جيلي لن يتمكنوا من معرفة عدم
استقامة مثل هذه النشرات، ولن يتتبعوا ما قُدّم في نقد تحقيقها؛ لذلك من الواجب
صدور نشرة جديدة منضبطة تعصم الباحثين من الوقوع في فخ تلك النشرات؛ لا سيما وأن
التحقيق الجديد أصبح جاهزًا متمثلًا في هذا النقد المحكم للنشرة الأولى.
وهذا المنهج في
نقد التحقيق على صعوبته استطاع الناقد من خلاله أن يبين مدى الخلل في امتلاك
المحقق لأدواته. كذلك برز من خلاله مدى امتلاك الناقد لأدواته في التعامل مع النص
التراثي، والأمثلة التي تدلل على هذا الفارق بين محقق النص وناقده كثيرة؛ ومنها ما
ورد في "غريب القرآن للقليبي" من قول المحقق في لفظ (المحتضِر):
"إنه لا يصح أن يكون بفتح الضاد، لأنه لازم" (صـ346- 347). ويعلق الناقد بأن ذلك
"كلام عجيب، بل تعالم بغيض"، ويرد على المحقق في ثلاث نقاط يستشهد فيها
بأدلة من القرآن الكريم، ومصادر النحو العربي، ومن كلام المحقق نفسه.
الثالث: النقد الداخلي للنص
المحقق
وقد تمثل ذلك
في بحث "كتاب روضة الفصاحة للثعالبي ليس للثعالبي"، وهو ما سبق وأوردتُه
في باب أدوات تحقيق النصوص لهذا الكتاب، لكنه هنا يصنف في باب نقد التحقيق؛ حيث
استطاع الناقد أن يثبت أن هذا الكتاب ليس للثعالبي من خلال نقد التحقيق وتتبع ما
قام به المحقق، وانتهج في سبيل ذلك نقد النص من الداخل. فكما يعد هذا النص نموذجًا
في إجراء نسبة الكتاب لصاحبه، فهو نموذج أيضًا في منهج النقد الداخلي للنص المحقق.
وأفرد في ذلك
خمس نقاط هي: مصادر الكتاب- كتب أخرى ليست للثعالبي- شعر مؤلف الكتاب- حواشي
المحقق نفسه تؤكد أن روضة الفصاحة ليست للثعالبي- إهداء الكتاب. ومن أدلة الناقد
في ذلك أنه وجد مصادر اعتمد عليها المؤلف لمؤلفين تاريخ وفاتهم لاحق على وفاة
الثعالبي.
وبالنظر في هذه
المناهج الثلاثة يبرز درسٌ مهمٌ للمحققين ونقاد التحقيق؛ ألا وهو "أننا
جميعًا نعمل من أجل خدمة نصوص التراث"؛ سواء بتحقيق النص أو بنقد تحقيقه،
فالغرض هو إقامة النص على الوجه الذي أراده صاحبه. ويقول الدكتور خالد فهمي في
ضرورة الإقدام على نقد التحقيق: "لا يصح أن يتأخر نقد نشر النصوص مخافة أن تُجمع
قلوب على حقد من نقدَ"، (صـ285). لأن نقد النشرات النقدية يساعد في تنقية طبعات التراث
العربي الإسلامي؛ هذه التنقية التي لا تقل أهمية عن نشره (انظر: جهود المستشرقين الإنجليز في تحقيق التراث اللغوي العربي، صـ269-271).
ولأنه حتى
اليوم لم تتبلور نظرية بعينها في منهج نقد التحقيق؛ أدعو الدكتور خالد فهمي لإرساء
هذه النظرية من خلال كتاب يجمع فيه كل ما قدمه من أبحاث نقدية في هذا الباب من
العلم، وهي أبحاث كثيرة على حد علمي.
(4) رموز أثّرت في إحياء التراث العربي الإسلامي:
وفي ذلك الوجه
قدَّم الدكتور خالد فهمي خمسة أبحاث؛ هي:
1- جهود رمضان عبد التواب في تحقيق التراث.
2- منهج الدكتور حسن الشافعي في تحقيق النصوص.
3- الأزهر الشريف وتحقيق التراث العربي الإسلامي.
4- محمود محمد شاكر- جبل علم شامخ.
5- رمضان عبد التواب- رائد من رواد الدرس اللغوي للعربية.
فقدَّم بحثين
عن الدكتور رمضان عبد التواب؛ الأول يقدِّم فيه صورة الدكتور رمضان عبد التواب
المحقق والناقد للتحقيق، والثاني يقدِّم صورته كعالم لغوي له أعمال في مختلف
المجالات، تحقيقًا وترجمة وتأليفًا. فهو بلا شك واحد من الرموز الذين أسهموا في
إحياء التراث العربي الإسلامي على أسس بالغة الدقة والإتقان. ويقدِّم الكتاب كذلك
محمود شاكر نموذجًا من أعلام جيل الرواد من المحققين. وكذلك اتخذ من مؤسسة الأزهر
الشريف رمزًا يعبر عن إحياء التراث العربي الإسلامي في الماضي والحاضر.
وهذا الوجه من
وجوه الكتاب يعد أملًا للباحثين في التراث وتحقيق النصوص بصفة خاصة، لأن الرواد
والعلماء مثلٌ وقدوة، تتخذ من سيرهم الذاتية وإنتاجهم العلمي طريق العلم الصحيح،
خاصة عندما يُقرَأ عنهم عن طريق واحد ممن تتلمذوا عليهم، بل واحد ممن يعد امتدادًا
لهم.
خاتمة:
لعل هذا الكتاب
يقدم نموذجًا جديدًا في طبيعة التأليف في علم تحقيق النصوص، ويعطي مؤشّرًا إلى كون
تحقيق النصوص على أهميته؛ ما هو إلا أداة خادمة للتراث العربي الإسلامي. إن من يضع
هذا الكتاب ضمن المؤلفات في تحقيق النصوص يظلمه، فهو كتاب في خدمة التراث العربي
الإسلامي من أـربعة وجوه:
1- هوية التراث العربي الإسلامي.
2- أدوات تحقيق النصوص وعلم المخطوط.
3- درسٌ في نقد التحقيق.
4- رموز أثرت في إحياء التراث العربي الإسلامي.
وقدَّم الكتاب
هذه الوجوه من خلال تجارب عملية لصاحبه في العرض والنقد، فهو يقدم الغرض العلمي
على أساس تطبيقي لا نظري. وقد برز ذلك بقوة في ما قدمه من مناهج في نقد التحقيق
دون التصريح النظري بما يتوجب على الناقد في نقده.
المراجع:
1- د/ خالد فهمي إبراهيم: في تحقيق النصوص ونقد الكتب
(دراسات ومراجعات)، دار الكتب والوثائق القومية، 2013م.
2- هالة جمال القاضي: جهود المستشرقين
الإنجليز في تحقيق التراث اللغوي العربي دراسة تحليلية لنماذج من القرنين التاسع
عشر والعشرين، مكتبة الآداب، 2015م.
***
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق